سورة محمد - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (محمد)


        


{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا (10)}
{أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِى الارض} أي أقعدوا في أماكنهم فلم يسيروا فيها {فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين مِن قَبْلِهِمْ} من الأمم المكذبة فإن آثار ديارهم تنبىء عن أخبارهم، وقوله تعالى: {دَمَّرَ الله عَلَيْهِمْ} استئناف بياني كأنه قيل: كيف كانت عاقبتهم؟ فقيل: أهلك ما يختص بهم من النفس والأهل والمال يقال دمره أهلكه ودمر عليه أهلك ما يختص به فدمر عليه أبلغ من دمره، وجاءت المبالغة من حذف المفعول وجعله نسيامنسيًا والاتيان بكلمة الاستعلاء وهي لتضمن التدمير معنى الإيقاع أو الهجوم أو نحوه {وللكافرين} أي لهؤلاء الكافرين السائرين سيرتهم {أمثالها} أمثال عاقبتهم أو عقوبتهم لدلالة ما سبق عليها لكن لا على أن لهؤلاء أمثال ما لأولئك وأضعافه بل مثله، وإنما جمع باعتبار مماثلته لعواقب متعددة حسب تعدد الأمم المعذبة، وقيل: يجوز أن يكون عذابهم أشد من عذاب الأولين وقد قتلوا وأسروا بأيدي من كانوا يستخفونهم ويستضعفونهم، والقتل بيد المثل أشد من الهلاك بسبب عام، وقيل: المراد بالكافرين المتقدمون بطريق الظاهر موضع الضمير كأنه قيل: دمر الله تعالى عليهم في الدنيا ولهم في الآخرة أمثالها.


{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11)}
{ذلك} إشارة إلى ثبوت أمثال عاقبة أو عقوبة الأمم السالفة لهؤلاء، وقيل: إشارة إلى النصر وهو كما ترى {بِأَنَّ الله مَوْلَى الذين ءامَنُواْ} أي ناصرهم على أعدائهم، وقرئ {وَلِيُّ الذين ءامَنُواْ} {وَأَنَّ الكافرين لاَ مولى لَهُمْ} فيدفع ما حل بهم من العقوبة والعذاب، ولا يناقض هذا قوله تعالى: {ثُمَّ رُدُّواْ إلى الله مولاهم الحق} [الأنعام: 62] لأن المولى هناك عنى المالك فلم يتوارد النفي والإثبات على معنى واحد.


{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (12)}
{إِنَّ الله يُدْخِلُ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانهار} بيان لحكم ولايته تعالى لهم وثمرتها الأخروية {والذين كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ} أي ينتفعون تاع الدنيا أيامًا قلائل {وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الانعام} الكاف في موضع نصب إما على الحال من ضمير المصدر كما يقول سيبويه أي يأكلونه أي الأكل مشبهًا أكل الأنعام، وإما على أنه نعت لمصدر محذوف كما يقول أكثر المعربين أي أكلًا مثل أكل الأنعام، والمعنى أن أكلهم مجرد من الفكر والنظر كما تقول للجاهل تعيش كما تعيش البهيمة لا تريد التشبيه في مطلق العيش ولكن في خواصه ولوازمه، وحاصله أنهم يأكلون غافلين عن عواقبهم ومنتهى أمورهم، وقوله تعالى: {والنار مَثْوًى لَّهُمْ} أي موضع إقامة لهم، حال مقدر من واو {يَأْكُلُونَ}.
وجوز أن يكون استئنافًا وكان قوله تعالى: {يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ} في مقابلة قوله سبحانه: {وَعَمِلُواْ الصالحات} لما فيه من الايماء إلى أنهم عرفوا أن نعيم الدنيا خيال باطل وظل زائل، فتركوا الشهوات وتفرغوا للصالحات، فكان عاقبتهم النعيم المقيم في مقام كريم وهؤلاء غفلوا عن ذلك فرتعوا في دمنهم كالبهائم حتى ساقهم الخذلان إلى مقرهم من درك النيران، وهذا ما ذكره العلامة الطيبي في بيان التقابل بين الآيتين، وقال بعض الأجلة: في الكلام احتباك وذلك أنه ذكر الأعمال الصالحة ودخول الجنة أولًا دليلًا على حذف الأعمال الفاسدة ودخول النار ثانيًا وذكر التمتع والمثوى ثانيًا دليلًا على حذف التقلل والمأوى أولًا والأول أحسن وأدق، وأسند إدخال الجنة إلى الله تعالى ولم يسلك نحو هذا المسلك في قوله تعالى: {والنار مَثْوًى لَّهُمْ} وخولف بين الجملتين فعلية واسمية للإيذان بسبق الرحمة والإعلام صير المؤمنين والوعد بأن عاقبتهم أن الله سبحانه يدخلهم جنات وأن الكافرين مثواهم النار وهم الآن حاضرون فيها ولا يدرون وكالبهائم يأكلون.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8